صلوات الإستخارة والحاجة والتسابيح، الدعاء والأخذ بالأسباب والتوكل على الله تعالى
- أحمد صديق
- 29 أبريل 2021
- 22 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 29 يونيو 2022
في عباداتنا لله تعالى - وركيزتها الصلاة، بما فيها صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة التسابيح- إليه وحده نتوجه بالثناء عليه، خاضعين لجلاله وراجين رحمته. ومن ضمن ما نعلم - والحالة هاته- أنه سبحانه " هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ( من الآية 1 الإخلاص)، "اللَّهُ الصَّمَدُ" ( الآية 2 نفس السورة) أي ومن خلال التفسير الميسر/ نخبة من العلماء/ المدينة: هو وحده، منزَّها عن النقائص، السيد المقصود في الحوائج والرغائب، " وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " ( كما في آيات، منها 210 البقرة) أي ومن نفس التفسير: وإليه وحده ترجع أمور الخلائق جميعها، وأنه " لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ" ( من الآية 118 التوبة)، أي لا مفزع منه إلا إليه ( كما في تفسير البغوي)، أو أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجا إليه، إلا الله لا شريك له (كما في تفسير السعدي). وإن ما قاله الله تعالى كذلك: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (الآية 15 فاطر) أي، ومما في تفسير القرطبي، الناس هم المحتاجون إليه في كل أحوالهم، فهم ضعفاء والله سبحانه جواد منعم عليهم، مستحقا أن يحمدوه، هذا بالإضافة إلى ما في الآية 17 الأنعام: " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أي وكما في تفسير البيضاوي : " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ " ببلية كمرض وفقر، " فَلَا كَاشِفَ لَهُ " فلا قادر على كشفه، " إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ " بنعمة كصحة وغنى، " فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فكان قادرا على حفظه وإدامته فلا يقدر غيره على دفعه، كقوله تعالى (من الآية 107 يونس): " فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ".
وإن الصيغة المأثورة للحديث حول صلاة الاستخارة، من خلال ما روي، كما في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا اقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمى حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمى حاجته) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر الخير حيث كان، ثم أرضني به".
وبالنسبة لصلاة الحاجة وكما يلاحظ جمهور العلماء ، هناك عدة روايات وردت في أدعيتها، ومن صيغها المأثورة ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كانت له إلى الله حاجة أو إلى احد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلى غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا ارحم الراحمين".
وبديهي أن في صلاة الحاجة كما في صلاة الاستخارة، الدعاء وارد، ونحن نعلم أن مما قال الله تعالى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " ( الآية 186 البقرة) اي وكما في تفسير الطبري: وإذا سألك يا محمد عبادي عني: أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم. وقيل : نزلت الآية في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، اين ربنا؟ وقال آخرون: بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: اي ساعة يدعون الله فيها (والمعنى هنا في الآية : وإذا سألك عبادي عني: أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت، أجيب دعوة الداعي إذا دعان). ومما قال الله تعالى كذلك، حول الدعاء: " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " ( الآية 62 النمل) أي وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: هل آلهتكم خير- والخطاب للمشركين- أو الله الذي يجيب المكروب والمجهود الواقع في شدة، الذي لا قدرة له، فليلجأ إلى التضَّرع، ويرفع السوء (الضرر) عنه، ويجعلكم سكان الأرض يخلف بعضكم بعضا؟ أإله آخر معبود مع الله الذي يفعل ذلك؟ كلا، بل قليلا ما يتَّعظون ويرجعون إلى الحق: وهو الإقرار بنعم الله وتخصيصه بالعبادة. ومن الآية 77 الفرقان: " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ " أي وكما في نفس المصدر للزحيلي: قل ايها الرسول لجميع الناس: لا يبالي بكم ربي لولا عبادتكم إياه ودعاؤكم له، والمراد: أنه ما خلقهم إلا ليعبدوه.
ومن السنة حول الدعاء ما روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فَيَعْتَلِجَاِن ( اي يصطرعان) إلى يوم القيامة" (حديث حسَّنه الألباني في صحيح الجامع، وله شواهد عند أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم). وهناك كذلك الحديث الذي رواه أحمد والترمذي بسند حسن : " لا يرد القدر إلا الدعاء"، وهكذا كما يلاحظ جمهور العلماء، الدعاء من قدر الله، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه، فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه. ومن خلال الحديث (قبله)، عن عائشة رضي الله عنها، يتبيَّن أن هناك الدعاء ( وهو من قدر الله) والقدر (بعينه)، أي كأن هناك قدران وهما يتصارعان: هناك كفة الدعاء وكفة القدر، وكفة الدعاء ترجح، بمشيئة الله إذا احسن الداعي ظنه بالله ولم " يستعجل" أي كما من الحديث الذي رواه أحمد والترمذي، وبمعنى أن لا " يقول : دعوت ربي فما استجاب لي".
وعن علي رضي الله عنه الحديث الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الالباني في صحيح الجامع: " كل دعاء محجوب حتى يصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم" ويستنتج من أقوال العلماء، كابن القيم وغيره، أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع الدعاء، على ثلاث مراتب، أكملها في افتتاح الدعاء ووسطه وخاتمته، والمرتبة الثانية في أوله وآخره، والمرتبة الثالثة في أوله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله أكرم أن يرد ما هو مواكب لها، لصيق بها.
ويجدر التذكير كذلك، أن من السنة الإلحاح في الدعاء، والمقصود منه تكراره، فقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم : روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل، سأل ثلاثا ( وله شاهد عند البخاري). وقال ابن القيم الجوزي في " الداء والدواء": ومن انفع الأدوية، الإلحاح في الدعاء. وفي الحديث الذي رواه مسلم كذلك، عن أبي هريرة رضي الله عنه: " إن الله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا وإن الله أمر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"( الآية51 المؤمنون)، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ " (الآية 172 البقرة). "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغْبَرَ يمدُّ يده إلى السماء: يا رب يا رب. ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغدِّيَ بالحرام، فأنى يستجاب له". وكما يلاحظ جمهور العلماء، إطالة السفر مظنة للإجابة " وأَشْعَثَ أَغْبَرَ" دلالة على انكسار القلب وعدم التكبُّر، إلا أنهما مع الحرام لا يُفْضِيَان إلى الاستجابة.
وفي السنة كذلك دعاء المؤمن لا يرد وكله خير، فقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره، عن أبي سعيد رضي الله عنه: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث : إمّا أن يعجِّل له دعوته، وإمّا يدَّخرها له في الآخرة وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذن نكثر، قال: "الله أكثر وأطيب".
وصلاة التسابيح مرجعها إلى حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ، وصححه جماعة من العلماء، ومنهم السيوطي والالباني في صحيح سنن أبي داود: فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبد المطلب: " يا عبّاس، يا عمَّاه، ألا أعطيك، ألا أحبوك ( فيه تأكيد للتنبيه أي: ألا اعطيك، والحباءُ- العطيَّة) ألا أفعل بك عشر خصال، إذا فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوَّله وآخره، قديمه وحديثه، وخطأه وعمْده، صغيره وكبيره، سرَّه وعلانيته، عشر خصال أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع راسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجدا عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا (فهذا في الجلوس المستحب)، فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات" ( فيكون التشهد الواحد)، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهرة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة". وهكذا، من خاصِّيات صلاة التسابيح ذكر الله تعالى، مؤَكَّدا مرات عديدة، وبصيغة: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وإن التسبيح لله تعالى، كما في آيات من القرآن الكريم، لا يختصُّ به بنو آدم فقط، بل المخلوقات كلها، وهو تسبيح يقترن بالحمد له، ولا أحد غيره أهل أن يعبد، وهو تبارك وتعالى أكبر= أجلُّ= أعز من كل شيء. ومن ذلك، الآية 44 سورة الإسراء: " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا "، وكما في التسهيل لعلوم التنزيل ( ابن جزي)، التسبيح في الآية اختُلِفَ في كيفيته، فقيل: هو تسبيح بلسان الحال أي بما تدل عليه صنعتها من قدرة وحكمة، إنه تسبيح حقيقة وهذا أرجح لقوله : " لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ". وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: تنزه الله عمَّا لا يليق به وتقدِّسه السماواتُ السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات ( الملائكة والإنس والجن وغيرهم مما لا يعقل) تنزيها على حقيقته، أو بلسان الحال، إذ تدل بوجودها وإتقانها على وجود خالقها الواحد الأحد، وما من شيء من الحيوان والنبات والجماد إلا ينزِّه الله، ولكن لا تفقهون ايها البشر تسبيحهم، لأنه بخلاف لغاتكم، إنه سبحانه كان وما يزال حليما بعباده العصاة، لا يعاجلهم بالعقاب، كثير الغفران لمن تاب وأناب. ومما في تفسير الألوسي (روح المعاني): الخطاب للمشركين والكفرة لا للناس على العموم لأنه تقدم ذكر قبائحهم من نسبتهم إليه تعالى شأنه ما لا يليق بجلاله. وإنه سبحانه حليم ولذلك لم يعالجهم بالعقوبة لإخلالهم بالنظر الصحيح الموصل إلى التوحيد، ولو تبتم ونظرتم لغفر لكم ما صدر منكم من التقصير فإنه غفور لمن يتوب. ولعل الآية كما يضيف الالوسي، وردت خطابا على الغالب من أحوال الغافلين ولو كانوا مؤمنين.
وفي الآية 41، سورة النور : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " اي وكما في تفسير البيضاوي: الم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الاستدلال أن الله ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهلُ السماوات والأرض، و " مَنْ " لتغليب العقلاء أو الملائكة، والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال، " وَالطَّيْرُ " على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك قيَّدها بقوله : " صَافَّاتٍ " فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط، حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره، " كُلٌّ " كل واحد مما ذكروا من الطير " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " أي قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختيارا أو طبعا لقوله : " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " أو علم كل تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك، مع أنه لا يبعد أن يُلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء.
وكلمة التوحيد " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ( من الآيتين 35 فاطر و 19 محمد) دلالاتها وتجلِّياتها وما يترتَّب عنها أو ما هو مرتبط بها إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بارزة من خلال القرآن والسنة، ومن ذلك كما في مباحث سابقة في هاته المقاربة التمهيدية ( في الآية 18 آل عمران، حيث أعظم شهادة، وفي ما يعدل تلث القرآن: سورة الإخلاص، وفي أفضل آية: آية الكرسي، هذا بالإضافة إلى المبحث السابق، الآخر الذي موضوعه: التوحيد والدعاء رهبة ورغبة).
ومعنى الله أكبر وبوجه عام أنه سبحانه أعظم وأجل وأعز وأعلى من كل شيء في الوجود ومن كل ما يخطر بالبال، وكما في الحديث الذي رواه أصحاب السنن: " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة". وفي الحديث القدسي الذي رواه أحمد وغيره: " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته جهنم"، وفي الحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن: " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". فتكبيرة الإحرام: " الله أكبر"، كما يقول الفقهاء، هي الركن الثاني بعد النية في الصلاة، وقولها جهرا لا نيَّة، والتحريم، المراد به هنا، لا حجب ما هو محرما على الإطلاق، بل منع كل شيء كان مباحا أثناء الصلاة من مأكل ومشرب وغير ذلك، والدخول في حرمة الصلاة يكون بتكبيرة الإحرام: وتحريمُ الصلاة التكبيرُ، ينجم عنه أنه لا يكون الدخول في الصلاة إلا بالتكبير.
ومن القرآن الكريم، الله سبحانه هو " الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " ( من الآيات 30 لقمان و 23 سبأ و 12 غافر) اي وكما في تفسير الطبري " الْعَلِيِّ " = ذو العلو على كل شيء، وكل ما دونه فله متذلل منقاد، " الْكَبِيرِ " = الذي كل شيء دونه، فله متصاغر، وإنه سبحانه هو "الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ " ( من الآية 9 الرعد) أي وكما في التفسير الميسر/ نخبة من العلماء/ المدينة: " الْكَبِيرِ " في ذاته وأسمائه وصفاته، " الْمُتَعَالِ " على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره، " وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ( من الآية 37 الجاثية) أي وكما في تفسير السعدي: له الجلال والعظمة والمجد وهو القاهر لكل شيء، الذي يضع الاشياء مواضعها، فلا يشرّع ما يشرّعه إلا بحكمة ومصلحة، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة، والله تعالى هو الذي " لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا " ( من الآية 111 الإسراء) أي وكما في تفسير البغوي، قول مجاهد: لم يذل فيحتاج إلى ولي يتعزز به، " وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا " : عظِّمه عن أن يكون له شريك او وليٌّ.
ومن جهة أخرى، الأخذ بالأسباب، كما يقول أهل العلم، مفروض عقلا وشرعا، بل هو عبادة طلبا لإنجاز أو بلورة ما هو فرض أو مستحب أو مباح، وتفاديا لما هو حرام أو مكروه، ويبقى الاعتماد على الاسباب شركا وذلك في حالة عدم التوكل على الله تعالى. ومن أخذ بالأسباب وهو متوكَّل على الله تعالى، معتمدا عليه، موقنا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقد امتثل. و وبعبارة أخرى التوكُّل الصحيح لا يكون إلا مع الأخذ بالأسباب، وهي مسخَّرة بإذن الله، ولما ينعدم هذا الأخذ بالأسباب تكون الرغبة في التوكل جهلا بشرع الله تعالى وفسادا في إعمال العقل الذي هو منَّة من الله سبحانه، والدعاء لا مناصَّ منه قبل وأثناء وبعد التوكل والأخذ بالأسباب، والدعاء لا مناص منه في كل وقت وحين، في الرخاء كما في الشدة.
والأدلة على وجوب الأخذ بالأسباب والتوكل قائمة وبيِّنَة، ومن ذلك : "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " ( من الآية 159 آل عمران) اي وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: واستشرهم- اصحابك يا محمد- في أمور الدين والدنيا، مما لم يرد به الشرع أو لم ينزل فيه وحي، فإذا صمَّمت على تنفيد أمر بعد المشاورة فامض على ما عزمت عليه مفوضا أمرك إلى الله واثقا به، إن الله يرضى عن المتوكلين الذين يفوِّضون أمورهم إليه، والتوكل: الاعتماد على الله في كل أمر. وهذا المعنى لما من الآية هو حقا، وكما يستنتج من أقوال جمهور المفسرين، خاص بحالة الجهاد، لكنه عام في الحالات كلها، حربا أو سلما. وهكذا فالمعنى في تفسير آخر، للبيضاوي نموذجا : "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " أي الحرب إذ الكلام فيه، أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة، " فَإِذَا عَزَمْتَ " فإذا وطنت نفسك على كل شيء بعد الشورى، " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " في إمضاء أمرك على ما هو أصلح، فإنه لا يعلمه سواه، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.
وفي سورة الكهف الآية 84 ، وفيها قول الله تعالى حول ذي القرنين : " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)"، وهكذا كما في تفسير الجلالين، " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ" ، بتسهيل السير فيها " وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " يحتاج إليه "سَبَبًا" طريقا يوصله إلى مراد، أو كما في التفسير الوجيز للزحيلي: إنا جعلنا له في الأرض سلطانا وقدرة على التصرف فيها، وأعطيناه من كل شيء يحتاج إليه في مملكته طريقا يوصله إلى مطلوبه من علم أو معرفة أو صنعة أو غير ذلك.
وفي السنة وكمثال من حديث دال على تسخير الله تعالى للأسباب: " ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله" (رواه أحمد والطبراني عن ابن مسعود وله شواهد عند غيرهما)، ووجب التأكيد أن في هذا لا ريب ، حالة إرشاد إلى الأخذ بالأسباب، ويبقى الدعاء، تعبيرا عن التوكل، لا محيد عنه في هاته الحالة كما في الحالات كلها، وقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا قال: "اللهم أذهب الباس، رب الناس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". ولقد ورد أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعقلها وتوكل" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وأخرج مثله ابن حيان في صحيحه). و يتأكد أن المؤمن مطالب دوما بالأخذ بالأسباب، إعمالا للفكر واحتكاما إلى المنطق، متوكلا على الله تعالى ومقرا أن ما قضى الله وقدَّر، واقع لا محالة، إن خيرا وإن شرا. وقد تم التذكير في تحفة الأحودي ، أن عمر رضي الله عنه لما بلغ الشام، وقيل له، إن بها طاعونا، رجع، فقال أبو عبيدة: أتفرُّ من قضاء الله يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالها يا ابا عبيدة؟ نعم: نفرُّ من قضاء الله إلى قضاء الله. بالأسباب والتوكل على الله تعالى
في عباداتنا لله تعالى - وركيزتها الصلاة، بما فيها صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة التسابيح- إليه وحده نتوجه بالثناء عليه، خاضعين لجلاله وراجين رحمته. ومن ضمن ما نعلم - والحالة هاته- أنه سبحانه " هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ( من الآية 1 الإخلاص)، "اللَّهُ الصَّمَدُ" ( الآية 2 نفس السورة) أي ومن خلال التفسير الميسر/ نخبة من العلماء/ المدينة: هو وحده، منزَّها عن النقائص، السيد المقصود في الحوائج والرغائب، " وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " ( كما في آيات، منها 210 البقرة) أي ومن نفس التفسير: وإليه وحده ترجع أمور الخلائق جميعها، وأنه " لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ" ( من الآية 118 التوبة)، أي لا مفزع منه إلا إليه ( كما في تفسير البغوي)، أو أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجا إليه، إلا الله لا شريك له (كما في تفسير السعدي). وإن ما قاله الله تعالى كذلك: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (الآية 15 فاطر) أي، ومما في تفسير القرطبي، الناس هم المحتاجون إليه في كل أحوالهم، فهم ضعفاء والله سبحانه جواد منعم عليهم، مستحقا أن يحمدوه، هذا بالإضافة إلى ما في الآية 17 الأنعام: " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أي وكما في تفسير البيضاوي : " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ " ببلية كمرض وفقر، " فَلَا كَاشِفَ لَهُ " فلا قادر على كشفه، " إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ " بنعمة كصحة وغنى، " فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فكان قادرا على حفظه وإدامته فلا يقدر غيره على دفعه، كقوله تعالى (من الآية 107 يونس): " فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ".
وإن الصيغة المأثورة للحديث حول صلاة الاستخارة، من خلال ما روي، كما في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا اقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمى حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمى حاجته) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر الخير حيث كان، ثم أرضني به".
وبالنسبة لصلاة الحاجة وكما يلاحظ جمهور العلماء ، هناك عدة روايات وردت في أدعيتها، ومن صيغها المأثورة ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كانت له إلى الله حاجة أو إلى احد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلى غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا ارحم الراحمين".
وبديهي أن في صلاة الحاجة كما في صلاة الاستخارة، الدعاء وارد، ونحن نعلم أن مما قال الله تعالى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " ( الآية 186 البقرة) اي وكما في تفسير الطبري: وإذا سألك يا محمد عبادي عني: أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم. وقيل : نزلت الآية في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، اين ربنا؟ وقال آخرون: بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: اي ساعة يدعون الله فيها (والمعنى هنا في الآية : وإذا سألك عبادي عني: أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت، أجيب دعوة الداعي إذا دعان). ومما قال الله تعالى كذلك، حول الدعاء: " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " ( الآية 62 النمل) أي وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: هل آلهتكم خير- والخطاب للمشركين- أو الله الذي يجيب المكروب والمجهود الواقع في شدة، الذي لا قدرة له، فليلجأ إلى التضَّرع، ويرفع السوء (الضرر) عنه، ويجعلكم سكان الأرض يخلف بعضكم بعضا؟ أإله آخر معبود مع الله الذي يفعل ذلك؟ كلا، بل قليلا ما يتَّعظون ويرجعون إلى الحق: وهو الإقرار بنعم الله وتخصيصه بالعبادة. ومن الآية 77 الفرقان: " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ " أي وكما في نفس المصدر للزحيلي: قل ايها الرسول لجميع الناس: لا يبالي بكم ربي لولا عبادتكم إياه ودعاؤكم له، والمراد: أنه ما خلقهم إلا ليعبدوه.
ومن السنة حول الدعاء ما روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فَيَعْتَلِجَاِن ( اي يصطرعان) إلى يوم القيامة" (حديث حسَّنه الألباني في صحيح الجامع، وله شواهد عند أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم). وهناك كذلك الحديث الذي رواه أحمد والترمذي بسند حسن : " لا يرد القدر إلا الدعاء"، وهكذا كما يلاحظ جمهور العلماء، الدعاء من قدر الله، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه، فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه. ومن خلال الحديث (قبله)، عن عائشة رضي الله عنها، يتبيَّن أن هناك الدعاء ( وهو من قدر الله) والقدر (بعينه)، أي كأن هناك قدران وهما يتصارعان: هناك كفة الدعاء وكفة القدر، وكفة الدعاء ترجح، بمشيئة الله إذا احسن الداعي ظنه بالله ولم " يستعجل" أي كما من الحديث الذي رواه أحمد والترمذي، وبمعنى أن لا " يقول : دعوت ربي فما استجاب لي".
وعن علي رضي الله عنه الحديث الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الالباني في صحيح الجامع: " كل دعاء محجوب حتى يصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم" ويستنتج من أقوال العلماء، كابن القيم وغيره، أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع الدعاء، على ثلاث مراتب، أكملها في افتتاح الدعاء ووسطه وخاتمته، والمرتبة الثانية في أوله وآخره، والمرتبة الثالثة في أوله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة، والله أكرم أن يرد ما هو مواكب لها، لصيق بها.
ويجدر التذكير كذلك، أن من السنة الإلحاح في الدعاء، والمقصود منه تكراره، فقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم : روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل، سأل ثلاثا ( وله شاهد عند البخاري). وقال ابن القيم الجوزي في " الداء والدواء": ومن انفع الأدوية، الإلحاح في الدعاء. وفي الحديث الذي رواه مسلم كذلك، عن أبي هريرة رضي الله عنه: " إن الله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا وإن الله أمر المؤمنين بما امر به المرسلين فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"( الآية51 المؤمنون)، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ " (الآية 172 البقرة). "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغْبَرَ يمدُّ يده إلى السماء: يا رب يا رب. ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغدِّيَ بالحرام، فأنى يستجاب له". وكما يلاحظ جمهور العلماء، إطالة السفر مظنة للإجابة " وأَشْعَثَ أَغْبَرَ" دلالة على انكسار القلب وعدم التكبُّر، إلا أنهما مع الحرام لا يُفْضِيَان إلى الاستجابة.
وفي السنة كذلك دعاء المؤمن لا يرد وكله خير، فقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره، عن أبي سعيد رضي الله عنه: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث : إمّا أن يعجِّل له دعوته، وإمّا يدَّخرها له في الآخرة وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذن نكثر، قال: "الله أكثر وأطيب".
وصلاة التسابيح مرجعها إلى حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ، وصححه جماعة من العلماء، ومنهم السيوطي والالباني في صحيح سنن أبي داود: فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبد المطلب: " يا عبّاس، يا عمَّاه، ألا أعطيك، ألا أحبوك ( فيه تأكيد للتنبيه أي: ألا اعطيك، والحباءُ- العطيَّة) ألا أفعل بك عشر خصال، إذا فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوَّله وآخره، قديمه وحديثه، وخطأه وعمْده، صغيره وكبيره، سرَّه وعلانيته، عشر خصال أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع راسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجدا عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا (فهذا في الجلوس المستحب)، فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات" ( فيكون التشهد الواحد)، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهرة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة". وهكذا، من خاصِّيات صلاة التسابيح ذكر الله تعالى، مؤَكَّدا مرات عديدة، وبصيغة: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وإن التسبيح لله تعالى، كما في آيات من القرآن الكريم، لا يختصُّ به بنو آدم فقط، بل المخلوقات كلها، وهو تسبيح يقترن بالحمد له، ولا أحد غيره أهل أن يعبد، وهو تبارك وتعالى أكبر= أجلُّ= أعز من كل شيء. ومن ذلك، الآية 44 سورة الإسراء: " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا "، وكما في التسهيل لعلوم التنزيل ( ابن جزي)، التسبيح في الآية اختُلِفَ في كيفيته، فقيل: هو تسبيح بلسان الحال أي بما تدل عليه صنعتها من قدرة وحكمة، إنه تسبيح حقيقة وهذا أرجح لقوله : " لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ". وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: تنزه الله عمَّا لا يليق به وتقدِّسه السماواتُ السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات ( الملائكة والإنس والجن وغيرهم مما لا يعقل) تنزيها على حقيقته، أو بلسان الحال، إذ تدل بوجودها وإتقانها على وجود خالقها الواحد الأحد، وما من شيء من الحيوان والنبات والجماد إلا ينزِّه الله، ولكن لا تفقهون ايها البشر تسبيحهم، لأنه بخلاف لغاتكم، إنه سبحانه كان وما يزال حليما بعباده العصاة، لا يعاجلهم بالعقاب، كثير الغفران لمن تاب وأناب. ومما في تفسير الألوسي (روح المعاني): الخطاب للمشركين والكفرة لا للناس على العموم لأنه تقدم ذكر قبائحهم من نسبتهم إليه تعالى شأنه ما لا يليق بجلاله. وإنه سبحانه حليم ولذلك لم يعالجهم بالعقوبة لإخلالهم بالنظر الصحيح الموصل إلى التوحيد، ولو تبتم ونظرتم لغفر لكم ما صدر منكم من التقصير فإنه غفور لمن يتوب. ولعل الآية كما يضيف الالوسي، وردت خطابا على الغالب من أحوال الغافلين ولو كانوا مؤمنين.
وفي الآية 41، سورة النور : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " اي وكما في تفسير البيضاوي: الم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الاستدلال أن الله ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهلُ السماوات والأرض، و " مَنْ " لتغليب العقلاء أو الملائكة، والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال، " وَالطَّيْرُ " على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك قيَّدها بقوله : " صَافَّاتٍ " فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط، حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره، " كُلٌّ " كل واحد مما ذكروا من الطير " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " أي قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختيارا أو طبعا لقوله : " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " أو علم كل تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك، مع أنه لا يبعد أن يُلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء.
وكلمة التوحيد " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ( من الآيتين 35 فاطر و 19 محمد) دلالاتها وتجلِّياتها وما يترتَّب عنها أو ما هو مرتبط بها إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بارزة من خلال القرآن والسنة، ومن ذلك كما في مباحث سابقة في هاته المقاربة التمهيدية ( في الآية 18 آل عمران، حيث أعظم شهادة، وفي ما يعدل تلث القرآن: سورة الإخلاص، وفي أفضل آية: آية الكرسي، هذا بالإضافة إلى المبحث السابق، الآخر الذي موضوعه: التوحيد والدعاء رهبة ورغبة).
ومعنى الله أكبر وبوجه عام أنه سبحانه أعظم وأجل وأعز وأعلى من كل شيء في الوجود ومن كل ما يخطر بالبال، وكما في الحديث الذي رواه أصحاب السنن: " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة". وفي الحديث القدسي الذي رواه أحمد وغيره: " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته جهنم"، وفي الحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن: " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". فتكبيرة الإحرام: " الله أكبر"، كما يقول الفقهاء، هي الركن الثاني بعد النية في الصلاة، وقولها جهرا لا نيَّة، والتحريم، المراد به هنا، لا حجب ما هو محرما على الإطلاق، بل منع كل شيء كان مباحا أثناء الصلاة من مأكل ومشرب وغير ذلك، والدخول في حرمة الصلاة يكون بتكبيرة الإحرام: وتحريمُ الصلاة التكبيرُ، ينجم عنه أنه لا يكون الدخول في الصلاة إلا بالتكبير.
ومن القرآن الكريم، الله سبحانه هو " الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " ( من الآيات 30 لقمان و 23 سبأ و 12 غافر) اي وكما في تفسير الطبري " الْعَلِيِّ " = ذو العلو على كل شيء، وكل ما دونه فله متذلل منقاد، " الْكَبِيرِ " = الذي كل شيء دونه، فله متصاغر، وإنه سبحانه هو "الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ " ( من الآية 9 الرعد) أي وكما في التفسير الميسر/ نخبة من العلماء/ المدينة: " الْكَبِيرِ " في ذاته وأسمائه وصفاته، " الْمُتَعَالِ " على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره، " وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ( من الآية 37 الجاثية) أي وكما في تفسير السعدي: له الجلال والعظمة والمجد وهو القاهر لكل شيء، الذي يضع الاشياء مواضعها، فلا يشرّع ما يشرّعه إلا بحكمة ومصلحة، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة، والله تعالى هو الذي " لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا " ( من الآية 111 الإسراء) أي وكما في تفسير البغوي، قول مجاهد: لم يذل فيحتاج إلى ولي يتعزز به، " وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا " : عظِّمه عن أن يكون له شريك او وليٌّ.
ومن جهة أخرى، الأخذ بالأسباب، كما يقول أهل العلم، مفروض عقلا وشرعا، بل هو عبادة طلبا لإنجاز أو بلورة ما هو فرض أو مستحب أو مباح، وتفاديا لما هو حرام أو مكروه، ويبقى الاعتماد على الاسباب شركا وذلك في حالة عدم التوكل على الله تعالى. ومن أخذ بالأسباب وهو متوكَّل على الله تعالى، معتمدا عليه، موقنا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقد امتثل. و وبعبارة أخرى التوكُّل الصحيح لا يكون إلا مع الأخذ بالأسباب، وهي مسخَّرة بإذن الله، ولما ينعدم هذا الأخذ بالأسباب تكون الرغبة في التوكل جهلا بشرع الله تعالى وفسادا في إعمال العقل الذي هو منَّة من الله سبحانه، والدعاء لا مناصَّ منه قبل وأثناء وبعد التوكل والأخذ بالأسباب، والدعاء لا مناص منه في كل وقت وحين، في الرخاء كما في الشدة.
والأدلة على وجوب الأخذ بالأسباب والتوكل قائمة وبيِّنَة، ومن ذلك : "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " ( من الآية 159 آل عمران) اي وكما في التفسير الوجيز للزحيلي: واستشرهم- اصحابك يا محمد- في أمور الدين والدنيا، مما لم يرد به الشرع أو لم ينزل فيه وحي، فإذا صمَّمت على تنفيد أمر بعد المشاورة فامض على ما عزمت عليه مفوضا أمرك إلى الله واثقا به، إن الله يرضى عن المتوكلين الذين يفوِّضون أمورهم إليه، والتوكل: الاعتماد على الله في كل أمر. وهذا المعنى لما من الآية هو حقا، وكما يستنتج من أقوال جمهور المفسرين، خاص بحالة الجهاد، لكنه عام في الحالات كلها، حربا أو سلما. وهكذا فالمعنى في تفسير آخر، للبيضاوي نموذجا : "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " أي الحرب إذ الكلام فيه، أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة، " فَإِذَا عَزَمْتَ " فإذا وطنت نفسك على كل شيء بعد الشورى، " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " في إمضاء أمرك على ما هو أصلح، فإنه لا يعلمه سواه، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.
وفي سورة الكهف الآية 84 ، وفيها قول الله تعالى حول ذي القرنين : " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)"، وهكذا كما في تفسير الجلالين، " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ" ، بتسهيل السير فيها " وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ " يحتاج إليه "سَبَبًا" طريقا يوصله إلى مراد، أو كما في التفسير الوجيز للزحيلي: إنا جعلنا له في الأرض سلطانا وقدرة على التصرف فيها، وأعطيناه من كل شيء يحتاج إليه في مملكته طريقا يوصله إلى مطلوبه من علم أو معرفة أو صنعة أو غير ذلك.
وفي السنة وكمثال من حديث دال على تسخير الله تعالى للأسباب: " ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله" (رواه أحمد والطبراني عن ابن مسعود وله شواهد عند غيرهما)، ووجب التأكيد أن في هذا لا ريب ، حالة إرشاد إلى الأخذ بالأسباب، ويبقى الدعاء، تعبيرا عن التوكل، لا محيد عنه في هاته الحالة كما في الحالات كلها، وقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا قال: "اللهم أذهب الباس، رب الناس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". ولقد ورد أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعقلها وتوكل" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وأخرج مثله ابن حيان في صحيحه). و يتأكد أن المؤمن مطالب دوما بالأخذ بالأسباب، إعمالا للفكر واحتكاما إلى المنطق، متوكلا على الله تعالى ومقرا أن ما قضى الله وقدَّر، واقع لا محالة، إن خيرا وإن شرا. وقد تم التذكير في تحفة الأحودي ، أن عمر رضي الله عنه لما بلغ الشام، وقيل له، إن بها طاعونا، رجع، فقال أبو عبيدة: أتفرُّ من قضاء الله يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالها يا ابا عبيدة؟ نعم: نفرُّ من قضاء الله إلى قضاء الله.
Comments